الأيديوليجيات ومعركة المعتقد



الأيديوليجيات ومعركة المعتقد
كلما تكرر علي مسامعي إصطلاح أيديولوجية , وخصوصا في برامج التوك شو , والتي يحتل صدارتها عملاء النفوذ , ممن يحاولون هدم نظرية الأمن القومي المصري بطرح كل ماهوسيي وكل ما يسوء هذه الأرض وهذا الوطن حتي يخرج إلينا جيل جديد من الشباب وقد فقد هويته الوطنية ليستمروا نخبة في العار وفي العار ينتخبون.
تتكرر الكلمة وأعيد علي نفسي معناها حتي لا تضيع وسط هذا الكم من التشويه.
لقد أختلف الفلاسفة في تفسير إصطلاح الأيديولوجية , ففي القرن التاسع عشر كانت تمثل التأمل النظري والفكر المجرد , وعرفها معجم ويبستر بأنها نسق من الأفكار بشأن الظواهر , وفي تعريف أخر أنها أصل الأفكار أي دراسة الأفكار ذاتها , أما في النظرية المادية فهي أشمل وأعم فهي نظرية المعرفة وبجانبها بل ويتلازم معها علم ماوراء الطبيعة (الميتافيزيقا) الأخلاق والدين.
وهكذا فإننا نجد أن الإصطلاح يتطور كل يوم , ويتخذ معان في أحيان كثيرة تختلف من ثقافة لأخري , لكن أصبحت الأيديولوجية في الإعلام المصري تشير إلي الدين والدين فقط أصبح يعبر عن الأيدولوجية, بالرغم من ان الدين في حد ذاته جزءا من الثقافة والتي هي بدورها جزءا من التعريف النظري لللأيديولوجية.
ولكن إصرار الإعلام علي ربط كل مايمر المجتمع به إلي إختلاف الأيديولوجيات , بين يمين ويسار , إسلامي وليبرالي ووسطي وداخل كل تقسيم تجد تقسيمات أخري أكثر تفصيلا حتي يعيش الشيطان بداخلها , فالإسلامي سني وشيعي وسلفي وإخواني , ونزولا مع كل طائفة نجد تقسيمات أخري , إلي الدرجة التي تصل بالمواطن إلي ضياع القيم الرئيسية التي تحافظ علي أي وطن وعلي أي هوية.
إنه لمن الطبيعي أن نجد المجتمع يختلف علي مدي صلاحية قانون الضرائب علي الإستيراد ,أو حتي نختلف علي صياغة قانون مثل قانون التظاهر, لكن أن نختلف علي قيم العدالة , والقانون , ونظرية الأمن القومي فنحن في أزمة ليست بالسهلة.
ولكي نكون منصفين , فتاريخ البشرية منذ الأزل كان ومازال في صراع أيديولوجي , بالرغم من جميع التصنيفات والتأويلات , صراع لم يكن أبدا من سنن الله في الأرض , فسنة الله في الأرض هي التدافع بالحسني , وليس التدافع من اجل بقاء طرف علي حساب الأخر , أو فناؤه من تلك الحياة. وعلي تلك السنة , سنة التدافع بنيت نظم وهدمت نظم , وتطورت الحروب وأتخذت أشكالا وأجيالا , حتي وصلت اليوم إلي حروب الجيل الخامس , كل هذه هي أدوات الصراع , والتي يتم تطبيقها علي أرض مصر كما كتبت في بلاد الأعداء الذين يبحثون عن السيطرة علينا بكل الطرق , وإستنزاف مواردنا من أجل رفاهيتهم , بل وفي بعض الاحيان القضاء علينا قضاء مبرما.
إن الحرب اليوم هي حرب نفسية , حرب أيديولوجية , حرب كما سماها الراحل صلاح نصر في كتابه الشهير , حرب الكلمة والمعتقد , الفارق الوحيد الذي لم يدركه صلاح نصر هو أن العدو أصبح بيننا ويعيش فينا كما نعيش نحن فيه.
هذا هو السلاح الذي يستخدم ضد مصر , سلاح يستعمل قيم العدالة لنقض كل تقدم , وفي نفس الوقت يقف علي أرضية الدماء والشهداء بغض النظر عن من مات أو من قتل , يستند علي دعم العالم الغربي تحت مسميات الحرية والديموقراطية والقمع , من أجل إسقاط نظام جديد ماأتي إلا لترميم الشرخ في بناء نظرية الأمن القومي , تلك النظرية التي لم تتطور أو يتم تحديثها منذ أمد طويل ومع ذلك هي باقية.
إنني لا أكتب هذا المقال من أجل مشروعات التنمية , ولا من أجل قضية رفع الدعم , وبالطبع ليس من أجل قانون التظاهر , ولا لغيرها , ولكنني أكتبه من أجل المواطن المصري , الذي يعيش في كل هذا الوسط المشوه , وهو لن يفقد إنتماؤه ولا فخره بذلك الإنتماء , ولن يكفر بهذه الأرض حتي ولو صرخت الدنيا بظلم أهلها لأنفسهم.
هذا هو المواطن الذي أسميه المواطن الإستراتيجي
وهو نفسه المواطن المصري , ذلك المواطن الذي يدرك , ويعرف , ويحارب , ويقاوم , وينجو في نهاية الأمر , وقد زالت كل المخاطر من حوله , ذهب الهكسوس وبقيت مصر , وكذلك الرومان والإغريق , والمماليك , والصليبيين , والترك والإنجليز والفرنساوية , واليهود وبقي هو , سوف تحيا مصر بالرغم من كل هذا , ولن يبقي من أعدائها إلا الرماد وقصص نحكيها للأطفال قبل النوم.
علاء سعد
خبير وإستشاري نظم المعلومات
كاتب وباحث في الإستراتيجية والأمن القومي

تعليقات