علاء سعد يكتب : مصر بين الدفاع والهجوم



علاء سعد يكتب : مصر بين الدفاع والهجوم
بداية , هل يعلم الجميع ما هي إستراتيجية مصر العسكرية , أو ببساطة وبصياغة اخري , هل يعلم كل مواطني مصر ماهي الإستراتيجية العسكرية التي تلتزم بها مصر , وهل هذه الإستراتيجية معلومة بالضرورة لكل مواطن , أم انها تعتبر من مظاهر المعرفة عند النخبة , والعسكريين , والمتورطين في عمليات الحفاظ علي الوطن بحكم الوظيفة , وهل الإستراتيجية العسكرية للوطن , تندرج تحت مايسمي بمعلومات الأمن القومي , وأسرار الدولة العليا , وهل هذه السرية يندرج تحتها النظرية , بما يتبعها من أليات وتكتيكات , ام ان النظرية متاحة للجميع , معرفة وإدراكا وفهما ويقينا.
أسئلة كتبتها بصيغة خبرية بدون علامات إستفهام إشارة منا إلي معرفة البعض بإجاباتها , وفهم أخرين لها , وعدم إدراك الكثيرين بعمق تأثيرات الأجوبة علي تاريخ وحاضر ومستقبل مصر.
وبعيدا عن الخلاف مع العسكريين , وغيرهم من المختصين , سنبتعد عن الإستراتيجية المصرية , وسنتجة للفكر العالمي , للإستراتيجيات المختلفة , ونأخذ مثالا علي ذلك مثالا من التاريخ , حتي لا يستطيع أحد ان يكذب أو يعترض , تماما كعادتي أستند علي حائط صلب من التاريخ الموثق , درءا للخلاف , ومنعا للجدل , ووصولا سهلا للحقيقة بلا إنقسام.
الأصل والتعريف
الأصل في كلمة الإستراتيجية , موضوع يطول شرحة ويستعصي علي عقول النخبة من هذا المجتمع , النخبة التي تعتمر الجهل كقبعة , وتلبس ملابس الفتوي بدون علم , لكن إختصارا لمن يريد ان يعرفمعني كلمة الإستراتيجية , فهي وببساطة مرادف للمناورة , والأصل اللاتيني للكلمة تعني قائد , وتم تطور المعاني التي ترتبط بالإستراتيجية تماما كما تتطور اللغات , فالكلمة ترتبط بالحرب والجيوش وتم تغيير معناها طبقا للإستخدامات والضررورة , فنجدها في ثقافات بعينها تعني القائد , وثقافات اخري , فن قيادة الجيوش , وثقافات أدني تعني بها المناورة , والكلمة اليوم أصبحت تشير بشكل مباشر إلي الحرب فيعرفها كلاوتزفيتز بأنعا فن إستخدام الإشتباك من أجل هدف الحرب , وتعرفها القوات المسلحة الأمريكية بأنها فن وعلم إستخدام القوات.
فهموم الإستراتيجية , في بدايتة كان يرتبط بالحرب والجيوش , ثم إتسع لكي يشمل الدولة كلها , وإذا اردنا تعريفا حديثا وعصريا لها , نستطيع ان نقول إنها ذلك الإطار النظري الذي يضمن تحقيق الهدف , فهي الإطار الذي تعمل داخله التكتيكات والخطط الفرعية.
أنواع الإستراتيجيات
كما قلنا أن الإستراتيجية أرتبطت بشكل مباشر بالجيوش والحروب , لكنها أتسعت كمفهوم لكي تستخدم في جميع مناحي الحياة حتي أننا نسمع اليوم الشركات التجارية والصناعية تتحدث عن استراتيجيتها , فالأمر اصبح مفهوما عاما يستطيع ان يجمع كل شيء تحته , ودليلا علي ذلك , نجد اليوم إستراتيجيات للتعليم , والصحة , والطاقة , والمالية وغيرها الأمر الذي يضمن بصلاحية الفكر تنفيذ أهداف النظام أيا كان نوعة , والأصل في أنواع الإستراتيجيات أيضا يرجع للعسكرية فتوجد أنواع تعد كقوالب أنبثق منها اساليب كثيرة وأفكارا لا حصر لها.
التصنيف طبقا للمستوي
إستراتيجية شاملة , وهي التي تتحدث عن الإطار العام للدولة وأهدافها القومية والدولية ويسميها البعض  بالإستراتيجية القومية
إستراتيجية متخصصة , وهي التي تتعامل مع المستوي الأقل مباشرة من الشامل , فنقول إستراتيجية عسكرية , سياسة , إقتصادية
إستراتيجية فرعية , وهي التي تختص بالفروع مثل الصحة والتعليم والمالية وغيرها
الإستراتيجية العسكرية
دائما ماتبني الدول إستراتيجياتها العسكرية كنتيجة لوضعها , وطبقا لحدودها ومإمكاناتها , فالدول المتقدمة مثلا التي تنتج السلاح وتملك مصالحا خارج حدودها , وترغب في حماية هذه المصالح دائما ما تتبني الإستراتيجيات العسكرية ذات الطابع ااهجومي , والدول التي لا تستطيع الإكتفاء من مواردها وتعتمد علي موادر الأخرين ولا تملك القدرة اللازمة علي حماية هذه المصالح تتبني الفكر الدفاعي او الإستراتيجيات ذات الطابع الدفاعي , وسواء أكان الهدف دفاعيا أم هجوميا , تتشكل الإستراتيجية العسكرية طبقا للهدف ,
الدفاع كإستراتيجية
فخط ماجينو الذي أنشأته فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية حتي تضمن , صد أي هجو ألماني محتمل , وخط ماجينو بالنسبة لفرنسا كان يعتبر درسا مستفادا من دروس الحرب العالمية الأولي وأستغرق بناؤه حوالي عشرين عاما , بتحصينات تمت علي ثلاثة مراحل , أنفقت فيه فرنسا الكثير , واغفلت بالرغم من كل هذا قاعدة في منتهي الأمر , ففي الفترة التي بدأت فرنسا فيها إنشاء الخط في بدايات عام 1919 , كانت الأليات العسكرية متواضعة الأمكانات وخصوصا الأليات المدرعة مثل الدبابات , والثغرة التي نسيها الفرنسيين او تناسوها , هي غابة أردين , غابة تضاريسها وعرة , وارضها طينية زلقة  , وطبقا لحسابات 1919 , لم يكن من الضروري ان يغطيها خط ماجينو , وهه الغابة كانت الثغرة التي نفذ منها هتلر في حربه مع فرنسا (الحرب العالمية الثانية) فقامت جيوش النازي بالإلتفاف علي خط ماجينو ,بالقوات المدرعة التي لم يأخذ الفرنسيين في حسبانهم انها اصبحت اكثر تطورا وأكثر قدرة  واصبحت كل تحصيناته بلا قيمة.
وتحليلا بسيطا لخط ماجينو , يمككننا ان نقول وببساطة للقاريء الذي لا ينتمي للنخبة مثلنا , أن فرنسا تبنت الإستراتيجية الدفاعية من خلال إنشاء خط ماجينو من أجل الإحتماء به وصد أو إستيعاب أو إحتواء أي هجوم ألماني , متناسية مع ذلك أعمال الإستخبارات , والتكنولوجيا , وهم في حالة الدفاع كإستراتيجية , يصبحان في غاية الأهمية , ويتحدد بناء علي معلومات الإستخبارات نتائج الصراع حتي قبل أن تبدأ.
إستراتيجية الهجوم
"إنه إذا كانت هنالك ملحمة يمكن ان يتغني بها شعب , فإنها كورسيك بالنسبة للروس" (علاء سعد)
مع بدايات عام 1943 , وبالإستخدام الجيد للإستخبارات إستطاع الروس فك الشفرة الألمانية إنجيما(ألة ميكانيكة تستخدم لتشفير الرسائل) ومع فك الشفرة عرف الروس نوايا الألمان في الجبهة الشرقية وعفوا خطة الهجوم الألماني علي الغرب الروسي , وعليه قام الروس ببناء خط دفاعي يغطي أكثر من 300 كم علي الجبهة الغربية , وقاموا ببناء تحصينات وسحب القوات إلي ماوراء الخط , وأجهضوا هجوم الفيرماخت , والتي كانت من نتائجها المباشرة هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
إنك حينما تتبني نظرية الدفاع , فهذا يعني بالضرورة أنك تجبر خصمك علي الهجوم , وعليه أن يتبني نظرية الهجوم كأستراتيجية للعمل العسكري , ففي المثالين السابقين , مثل وعبرة وصورتين متقابلتين , فالفرنسيين بخط ماجينو يمثلون نظرية الدفاع , والألمان  في غابة أردين يمثلون الهجوم والإستخبارات والتكنولوجيا هي العامل الحاسم والبطل الحقيقي الذي صنع فارقا , وتماما بالمثل فالروس في كورسيك , يمثلون نظرية الدفاع , والألمان يمثلون نظرية الهجوم , والإستخبارات والتكنولوجيا كانا البطل الذي صنع فارقا في نتيجة الحرب.
مصر بين الدفاع والهجوم
بعيدا عن النخبة والمحللين , وبعيدا عن التصريحات من الأجهزة المختصة , وقياسا علي التاريخ
هل تستطيع تصنيف مصر إلي أي نظرية تنتمي , وهل هذه النظرية يمكن تطبيقها علي كل الأحداث , وهل إذا كانت النظرية التي سوف تختارها صامدة أمام كل حقائق التاريخ , وتتنافي مع كل مايعلن ويقال , يغير من الأمر شيئا , وهل ينفي واقعا , او يثبت زيفا.
أسئلة بالنسبة لي لها إجابات واضحة , تتفق مع الواقع ونتائج الأحداث
الهكسوس , الرومان , التتار , الصليبيين , اليهود , كلها معارك أتت إلينا , ولم نسع لها , وكلها كانت نتائجها حاسمة
حائط صد دفاعي , تتكسر عنده كل الهجمات , ويدفع ثمنها الغلابة والمطحونين
فبين الدفاع الناجح كنتيجة , وغياب الهجوم كأداه وكنظرية , يصبح علينا أن نتبني الإستراتيجية التي تضمن البقاء , ولا تضمن التطور , تؤسس للحياة علي الهامش , ولا تعزز التطور والخروج من الحدود , تزرع قيم إستيطان الوطن , وتنزع الرغبة في إستعمار الغير
ولما لها , اوليست هي حابي , أرض تامري , التي تنتظر شريان الحياه يأتي لها طوعا وكرها , ولا تسعي إليه غزوا ومرحا.
علاء سعد
خبير وإستشاري نظم المعلومات
كاتب وباحث في علوم الإستراتيجية والأمن القومي

تعليقات